مصر بعد 25 يناير: نساء مصر : «ارفعى راسك فوق انت مصرية»

الأربعاء، 3 يوليو 2013

نساء مصر : «ارفعى راسك فوق انت مصرية»


نساء مصر : «ارفعى راسك فوق انت مصرية»


بحناجر ملتهبة تكسر طبيعتها الهادئة، ووجوه متشبعة بالحرية تلفحها نسمات هواء العصرية، وقفن بثبات الأبطال يناجين الشهداء فى قبورهن، باعثات إليهم تحية خاصة: «وحياة حقك يا شهيد.. الليلة دى مصر فى عيد»، فى دوائر حاطها الشباب وقفت بنات مصر وكل «بهية» بوطنها. «إيه اللى نزلها هناك؟» وعبارات رددها مريدو الرئيس لم تنل من ثوريتهن، لذا كان صوتهن يزأر فى الميدان مناطحاً أصوات الرجال: «ارفعى راسك فوق انتِ مصرية».
قراءة الفاتحة على أرواح شهداء المسلمين والمسيحيين.. هكذا رد متظاهرو التحرير على بيان القوات المسلحة، قبل أن تعلو هتافات السيدات: «بيقولوا كفار.. بس احنا ثوار». يمشين بعنفوان كالأشاوس فى حماية أقرانهن من «ولاد البلد»، لذا كانت البهجة تسيطر على قسمات «ميرا مدحت» الشابة الأرستقراطية التى وطئت قدماها الميدان لأول مرة من أجل سحب الثقة من الرئيس مرسى: «خوفونا من التحرش واللى بيحصل هنا.. بس الناس ذوق جدا وبيتعاملوا بكل احترام»، لا تمنع الشابة الثلاثينية القادمة من حى المهندسين نفسها من الدهشة، فعيناها العسليتان تروحان وتغدوان على كل قطعة فى التحرير بعد أيام قضتها منضمة إلى حزب الكنبة، حسب وصفها، فى الوقت الذى تضحك فيه زميلتها «سارة حسين» من قلبها لنجاح الثورة التى بايعتها من يومها الأول فى 25 يناير 2011: «أجواء يناير رجعت تانى.. والشعب قال كلمته»، لا تنفى ذات الشعر الأشقر حدوث بعض الأزمات فى الميدان فى فترة سابقة منها التحرش، غير أنها تجزم بأنها أعمال فردية ومدبرة: «دى بلدنا ومش هنسيبها غير وهى رائعة».
على أطراف الكعكة الحجرية يسير مرفوع الرأس ببنطال يغطى الركبة بالكاد، بـ«عوينات» طبية يحمل لافتته: «أختك فى الميدان.. حافظ عليها»، محمد يسرى، القادم خصيصا من حلوان وحيدا، راح يدون كلماته بيديه حاملا نصائحه لأشقاء الكفاح: «الناس متجاوبة معايا جداً.. وكلنا خايفين على بعض». لا تزال أصداء الاحتفاء ببيان القوات المسلحة مستمرة فيما تتعالى كلمات: «أنا باشكر محمد مرسى عشان عرف يجمع الشعب»، تعقبها زغاريد تلك المجموعة من السيدات القادمات من مصر القديمة بجلابيب شعبية حاملات أعلام مصر صغيرة الحجم من تلك التى يحملها الأطفال.. «دى صفية زغلول»، يقولها فاروق خالد، الطفل الذى لم يتخطَّ عامه العاشر بعد، مشيراً إلى جدته ستينية العمر «أم سامح»، هكذا ينادونها، تضحك ملء فمها فتبدو غمّازاتها وأسنانها التى تكابد السقوط: «أنا أول مرة أنزل اليومين دول.. بس متابعة الأخبار كلها يا اخويا»، تدلل بها على معارضتها للرئيس منذ شهور: «جوّع الناس أكتر ما هى جعانة»، تقطع «صفية زغلول الثورة» هتافها المتلاحق بدعوات من نصيب الشباب الصغير: «ربنا يحميكوا يا أبطال»، تمر طائرات الجيش فى الفضاء فتتعالى التلويحات، فى الوقت الذى تقول فيها «سماح» ابنتها الكبرى إن وجودها فى الميدان بمثابة معجزة: «بقالى يومين باتحايل على جوزى ينزلنى وأخيراً وافق»، بخمار بنى اللون تشبه فيه زوجة الرئيس تحمرّ وجناتها مرددة نشيد «بلادى بلادى»، تعبر عن سبب حضورها بالرد على من كفّروها، من وجهة نظرها «لو هو مسلم بجد يحقن دماء المسلمين ويغور»، قبل أن تؤكد بوجه باسم: «تصدق بالله، أنا مابحبش أشوف صورة مرسى حتى فى الجرايد».
كانت «فايزة حسن» ذات الحجاب الأبيض تتحدث بود مع رفيقتها «أم ماهر» ذات الشعر الأبيض الذى زاحمته شعيرات سوداء والممهور صدرها بصليب، كصديقتين قبل عقود، بينما كان ميدان التحرير قد جمعهما قبل دقائق، فالمرأة الخمسينية القادمة من حلوان وجدت ضالتها فى «الفضفضة» مع قرينتها من «الشرابية»، فلم يفرق معهما ديانة أو بعد مسافات، الأهم الهتاف لمصر: «نزول الستات متعب بس لازم نشارك دى بلدنا برضة»، تقولها «فايزة» فيما تغنى رفيقة الميدان مع بناتها بوجه يملؤه النشوة.
بالقرب من مجموعة من فتيات الجامعات كان محمود جمال يحلل بيان الجيش وتبعاته بسيناريوهات ثلاثة: «يا إما هيدخلوا معانا فى حرب عشان دى نهايتهم، أو مرسى يشيل الحكومة ويفكرنا هنروح.. أو يخربها ويشيل السيسى، وقتها الناس هتاكله». تتخذ إحدى الصحفيات مستقرها أعلى المنصة الرئيسية للميدان ممسكة بالميكروفون فتشعل حماسة الموجودين: «لو الإخوان بايعوا مرسى على الشهادة لمصلحة الجماعة.. إحنا بنبايع مصر على الشهادة عشان نحفظ ثورتها وجمالها.. تحيا مصر». وسط الحشود كان طارق محمد، الشاب السلفى، ينظر ببشاشة وجه قِبل السيدات المشاركات معجباً بدورهن قبل أن يقول باسماً: «لو مرسى عنده دم يمشى، ولما يجيب النهضة من ديلها نبقى ننتخبه تانى».
تتعالى صافرات «الفوفوزيلا» فيبدو الميدان ملعب لكرة القدم، فيما تمثل الفتيات دور اللاعب الأساسى، متصدرات المشهد بامتياز: «لولا أصواتنا ماكنتش الثورة نجحت»، تقولها نهى خلف الله بفخر لم يحجبه نقابها، ملوحة بعلم مصر، فيما تردد «هبة» ابنتها الصغرى عبارة: «ثورة 19 نجحها الستات.. قالولنا كده فى المدرسة»، لم تنتخب السيدة ذات السمت الإسلامى مرشح جماعة الإخوان، لذا تعتبر أن رؤيتها ثاقبة تجاه من يحكم مصر: «دى ناس عايزة تكوّش على البلد مش تحميها».
منهمكة فى عمل الشاى تقبع فوق «فرشتها» لم يمنعها البحث عن رزقها عن الإدلاء بصوتها فى خضم الزخم الثورى: «ربنا رجع لنا الثورة تانى.. أكيد الناس دى على حق وربنا هينصرنا»، قالتها دولت خلف، بصوت مجلجل، قبل أن تشرح معاناتها فى الفكاك من مصاريف الشهر التى تلاحقها من إيجار ودروس للأولاد الخمسة: «أنا باشتغل طباخة فى بيت ناس فى مصر الجديدة لحد العصر، وباجى هنا التحرير عشان أكفى عيالى»، رغم احتفائها بمعارضة الرئيس لا تنفى حبها الأكبر للوطن: «مسلم، مسيحى، إخوانى، سلفى، كلنا إيد واحدة».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة