مصر بعد 25 يناير: "جمعة 4 فبراير".. هل تحول مصر إلى فوضى؟

الجمعة، 4 فبراير 2011

"جمعة 4 فبراير".. هل تحول مصر إلى فوضى؟

بإعلان الرئيس المصري حسني مبارك عدم ترشيح نفسه لفترة رئاسية سادسة في انتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر المقبل 2011، ورفضه التنحي الآن، لم يتحقق المطلب الرئيسي لثورة الشباب المصري (الشعب يريد.. إسقاط الرئيس)، ما يدخل مصر في مأزق خطير ربما يتعدى "جمعة الرحيل" التي دعا لها الشباب والقوى المعارضة في ضوء رفضهم الحوار مع النظام قبل تنحي الرئيس.
وزاد من حدة الأزمة محاولة رجال أمن سريين وبلطجية مدفوعين من رجال أعمال الحزب الوطني –بحسب تأكيد مصطفى الفقي رئيس لجنة الشؤون العربية بالبرلمان– في اليوم الثاني لتنازل مبارك، ضرب المعتصمين في التحرير وإخراجهم بالقوة، وكذا ربط عمر سليمان نائب الرئيس بين بدء الحوار ووقف الاعتصام والتظاهرات، ما نتج عنه مزيد من تعنت الشباب وتمسكهم بمطالبهم في تنحي مبارك فورا.
الآن زاد الأمر احتقانا، بحيث يمكن القول إنه إذا جاء يوم الجمعة المقبل 4 فبراير التي أسماها المحتجون "جمعة الرحيل"، بدون بدء الحوار وبدون الوصول إلى حل واستمرار الأزمة، بل وتصاعدها مع بدء قوى من داخل وخارج النظام مظاهرات مضادة تطالب ببقاء الرئيس مبارك وتهاجم ثورة الشباب، فإن مصر ستصل إلى حائط مسدود وسنكون إزاء خيار من اثنين: إما أن يضرب الجيش المتظاهرين الذين ينتوون في جمعة الغضب الانتقال باحتجاجهم إلى القصور الرئاسية (وخاصة قصر الرئاسة الذي أحيط بأسلاك شائكة) وكذا مبنى الإذاعة والتلفزيون ويصطدم معهم ما يعني استحضار سيناريو الفوضى الكاملة وربما الحرب الأهلية، وإما أن يتدخل المتظاهرون الموالون للرئيس مبارك من داخل النظام ومن فئة أخرى بدأت تتعاطف معه باعتباره بطلاً من أبطال حرب أكتوبر وقدم تنازلات بتنحية بعد قرابة 9 أشهر، في صدام مع الشباب وسط مخاوف –في ظل غياب الشرطة– من سيناريو آخر للفوضى.
فشباب الثورة وغيرهم من أصحاب المظالم المختلفة ممن خرجوا في ثورة 25 يناير –أول ثورة شعبية حقيقية في مصر– ومعهم طائفة من القوى السياسية المعارضة، يعتبرون أن التنازلات التي قدمها مبارك في خطابه للشعب مساء الثلاثاء ليست كافية، برغم دعوته مجلسي الشعب والشورى لتعديل بعض مواد الدستور، ومنهم المادتان 76، و77 والمتعلقتان بشروط الترشح للانتخابات الرئاسية، وقبول أحكام القضاء بشأن الطعون على مقاعد حزبه الوطني في انتخابات برلمان 2010، ويعتبرونها التفافا على مطالبهم ولا تلبي مطلب التغيير الشامل للنظام.
فالرئيس لم يحل البرلمان القائم على التزوير، ولم يقدم استقالته من الحزب الوطني الحاكم ما يعني أنه سيتركه يمارس نفوذه وهيمنته على الحياة السياسية مستقبلا ولكن بمعية رئيس جديد ما يعني استمرار نفس الحزب المتهم بإفساد الحياة السياسية، كما أن الدستور مليء بالعيوب التي تتعلق بقمع حريات وحقوق المصريين والتي تحجب قوى سياسية عن التمثيل مثل التيار الإسلامي.
ويقول خبراء قانون دستوري وسياسيون لـ "إسلام أون لاين" إن الرئيس لم يلجأ لخيار حل البرلمان عامدا لعدم إطالة الأزمة، لأن معنى حل البرلمان، أن تنتظر مصر قرابة 10 أشهر أخرى لإجراء انتخابات جديدة، ومن ثم تعطيل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل وتعطيل تنحية الرئيس نفسه، المطلب الرئيسي للشباب الثائر، والذي يسعى الرئيس لتلبيته وفقا لمدته الدستورية بما يحقن الأزمة ويحفظ ماء وجهه، وينهي حياته السياسية بصورة لائقة.
بيد أن سياسيين آخرين يخشون من أن بقاء مبارك في ظل حالة النشوة والشعور بالانتصار التي تنتاب الشباب خصوصا بعد المظاهرة المليونية الثلاثاء 1/2/2011 في القاهرة وحدها -والتي يقدر البعض عدد من خرجوا في كل المدن المصرية بما لا يقل عن 5 ملايين– ربما يجعل الأزمة والمأزق السياسي مستمرا ويزداد سوءا في ظل ظهور بوادر من داخل النظام (يسانده التلفزيون الحكومي) ومن متعاطفين مع مدة خدمة الرئيس كأحد أبطال أكتوبر ودعوة المتظاهرين لخروج مهين له من السلطة، للتظاهر تأييدا له وظهور حالة من النقد والصدام بينهم وبين متظاهري التحرير.
فقد بدأ موالون للنظام بداية في توزيع منشورات في شوارع القاهرة والمدن تقول: (لا للمظاهرات.. المظاهرات لصالح من.. استخدم عقلك.. لا للتخريب.. صوتك وصل وانفعالاتك وصلت الحكومة، ولن تتغير الأمور في ساعة أو ثانية.. التغيير يحتاج لوقت.. انتظروا التغيير والنتيجة حتى نهاية انتخابات الرئاسة في نوفمبر 2011.. طول ما في مظاهرات في مجاعة.. المظاهرات تقف حائلا أمام تقاضيك راتبك وحصولك على السلع الرئيسية.. إلخ).
وأعقب هذا تنظيم مظاهرات تأييد للرئيس مبارك، ثم الهجوم على الشباب المعتصمين في كل المدن المصرية.
ومع هذا أبدى المعتصمون بميدان التحرير إصرارهم على الصمود والثبات ومطالبتهم برحيل نظام الرئيس مبارك، رافضين لما جاء بخطاب الرئيس مبارك، ما يشير لحالة من الانقسام بين مؤيد لما جاء بخطاب الرئيس مبارك أو داعم له، وبين رافض له، برغم استمرار رفض الغالبية العظمى من المتظاهرين للخطاب وإصرارهم على البقاء في حالة الثورة واعتبار ما يحدث التفافا حولها.
موقف حائر للجيش
ووسط هذه الأجواء المتلاطمة يبدو الجيش في حالة من الحيرة والأزمة الخطيرة، فهو لا يستطيع الدخول في صدام مع الشعب أيا كان التصعيد، ولكن تحدي واحتمالات قيام المتظاهرين بالتظاهر أمام مقر رئاسة الجمهورية عقب صلاة جمعة الغضب الثانية المقبلة، وكذا تدفقهم على مبنى التلفزيون، ومخاوف حدوث انفلات من قبل بعضهم أو مصادمات بينهم وبين المتظاهرين الآخرين الذين يؤيدون بقاء مبارك، يضع الجيش أمام مأزق الدفاع عن مقر الرئاسة ومبنى التلفزيون، وسط مخاوف من محاولات من داخل النظام أو من قوى خارجية إفساد العلاقة بين الجيش والشعب وافتعال مصادمات أو إطلاق نار، خصوصا أن هناك أنباء غريبة يذيعها التلفزيون المصري عن سطو عصابات على محال تبيع الزي العسكري للجيش، وتحذير الجيش لمن يضبط مرتديه!.
إذ إن هناك سيناريو يدعمه عسكريون مصريون سابقون يؤكدون أن هناك جناحا في السلطة يسعى لتوريط الجيش في مصادمات مع المتظاهرين بهدف إنهاء تصعيدهم واعتصامهم خصوصا وهم يعتصمون بالجيش، وذلك عبر إدخال عناصر بلباس عسكري تقوم بالاشتباك مع المتظاهرين، لتوريط الجيش، ثم يعلن لاحقا أن هؤلاء لا ينتمون للجيش وأنهم ممن سرقوا ملابس عسكرية!.
ووسط هذه الحيرة يصدر الجيش العديد من البيانات التي تصل للمصريين عبر شبكات المحمول مثل: (القوات المسلحة حريصة على أمنكم وسلامتكم ولن تلجأ لاستخدام القوة ضد هذا الشعب العظيم) و(إلى كل أم – أب - أخ - إلى كل مواطن شريف حافظوا على هذا البلد فالوطن باق للأبد) و(يا شباب مصر احذروا الشائعات وأنصتوا إلى صوت العقل مصر فوق الجميع فحافظوا عليها)، وغيرها من هذه البلاغات، التي تشير لحالة من القلق من انفلات الأوضاع ومخاوف الجيش من جر أطراف عميلة له في صدام مع الشعب، أو تحدي قدرته على ضبط الأوضاع.
ولهذا أيضا ناشدت وزارة الدفاع المصرية المتظاهرين بميدان التحرير العودة لديارهم لإفساح المجال أمام قوات الجيش لتأمين الوطن، وناشدت الشعب المصري "إنقاذ مصر من الخراب والتحلي بالصبر وانتظار نتائج التغيير" الذي قالت القوات المسلحة إنه بدأ ولكنه سيستغرق وقتا.
وأضاف المتحدث باسم الجيش أن "رسالة الشباب وصلت ومطالبهم عرفت، وعليهم الآن أن يعودوا إلى ديارهم، تلبية لنداء الوطن بالعمل الجاد، ولتفويت الفرصة على الحاقدين الذين يتمنون رؤية مصر في أزمات".
آراء الخبراء
والحقيقة أنه رغم اتفاق معظم آراء الخبراء المصريين على أن ما يحدث هو ثورة حقيقية شعبية، فلم يهتم كثيرون برصد سيناريو المستقبل بصورة كبيرة، بيد أن من تصدوا لهذا المشهد ومنهم الكاتب الشهير حسنين هيكل ونقيب الصحفيين مكرم محمد أحمد اختلفوا في قراءة المشهد والمستقبل.
فنقيب الصحفيين خرج على شاشات التلفزيون المصرية ليطالب الشباب بالهدوء ويحذر من المستقبل الخطر لو أصروا على مطالبهم بعدما أعلن مبارك أنه سيتنحى ولكن بعد أن تنتهي ولايته ويضمن الانتقال السلمي للسلطة ويحذر من الفوضى لو ذهب مبارك الآن بدون أي ترتيبات.
أما حسنين هيكل فكتب مقالا تحت عنوان (سقوط خرافة الاستقرار) نشرته صحيفة الشروق حدد فيه المشكلة وتحدث عن المحاذير والمستقبل، حيث أكد أن المشكلة التي أدت للثورة هي تحالف عناصر مال وسلطة سلاحها القمع الأمني لم تفهم شيئا ولم تستطع أن تلاحظ تغييرا في مجتمع أصبح أقوى من أي قمع والنتيجة أن الانفجار وقع).
وقال: "أخشى أن يطول الحوار وتزيد تكاليفه وأن يختل سياقه"، وحذر من أن "هناك قوى خارجية بدأت تطل على الساحة، وهناك عناصر داخلية قد تغريها الساحة المفتوحة لتحقيق أهواء شخصية".
وأشار لأن هذه القوى الخارجية والإقليمية ترى حالة السيولة في رواسي الوطن وتتخيل أنها فرصة في إعادة تشكيلها وأن لديه معلومات موثوقة أن إسرائيل سألت القاهرة عما إذا كان هناك شيء تستطيع أن تفعله للمساعدة، وأن الحكومة الأمريكية هي التي ردت بالقول (لإسرائيل): "أي عمل من جانبكم سوف يزيد من تعقيد الموقف فاتركوه لنا ولأصدقائنا في الإقليم، ونحن معكم نرى أن زمانا قد انتهى وزمانا ثانيا على وشك أن يبدأ، ونحن مع أصدقاء لنا نستطيع أن نرتب بأفضل مما تقدرون عليه لحفظ ما يسمى بالاستقرار وما يسمى بالسلام "، بحسب هيكل.
وما يركز عليه غالبية خبراء وعقلاء مصر حاليا هو السعي للبحث عن صلة حوار بين الشباب والجيش والنظام لحل هذا المأزق قبل جمعة الغضب أو على الأقل بقاء الشباب في التحرير لا يخرجون منه كي لا يضطر الجيش للتعامل معهم  - رغما عنه- لو حدث انفلات غير مضمون من أطراف عميلة أو وقوع صدامات بين الداعين لرحيل مبارك والمتعاطفين معه في ظل غياب الأمن الداخلي وصعوبة سيطرة الجيش وحده على هذه المصادمات.
ولكن الدكتور عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري السابق، يرى أنه لو استمر النظام في تعريض مصر للخطر عبر السعي لتوريط الجيش في البطش بالشعب الثائر، فستكون مصر في حاجة إلى انقلاب عسكري أو تدخل حاسم من الجيش لإبعاد مبارك نهائيا، وربما محاكمته على توريط القوات المسلحة في حرب مزعومة مع المصريين الغاضبين على نظام حكمه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة